كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عمر قال: تخرج الدابة من جبل جياد في أيام التشريف والناس بمنى، وأخرج ابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج دابة الأرض من جياد فيبلغ صدرها الركن ولم يخرج ذنبها بعد وهي دابة ذات وبر وقوائم».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن ماجه وابن مردويه عن ريدة رضي الله تعالى عنها قال: ذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى موضع بالبادية قريب من مكة فإذا أرض يابسة حولها رمل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخرج الدابة من هذا الموضع فإذا شبر في شبر».
وجاء في بعض الروايات أنها تخرج من أقصى البادية، وفي بعض من مدينة قوم لوط، وفي بعض أن لها ثلاث خرجات في الدهر: تخرج في أول خرجة في أقصى اليمن منتشرًا ذكرها بالبادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة، ثم تخرج خرجة أخرى فيعلو ذكرها في البادية ويدخل القرية، ثم بنيما الناس في أعظم المساجد حرمة لم يرعهم إلا وهي في ناحية المسجد من الركن الأسود وباب بني مخزوم فيرفض الناس عنها شتى وتثبت عصابة من المسلمين عرفوا أنهم لن يعجزوا الله تعالى فتنتفض عن رأسها التراب فتجلو عن وجوههم حتى كأنهم الكواكب الدرية، واختلف أيضًا في أنها هل تخلق يوم تخرج أو هي مخلوقة الآن؟ فقيل: إنها تخلق يوم تخرج، وقيل: إنها مخلوقة الآن لكن لم تؤمر بالخروج.
واستدل بما روى عن ابن عباس أنه قرع الصفا بعصاه وهو محرم، وقال: إن الدابة لتسمع قرع عصاي هذه، وعليه من يقول: إنها الثعبان، ومن يقول: إنها الجساسة التي تجسس الأخبار للدجال كما هو المروي عن عبد الله بن العاص، وزعم بعضهم أنها مخلوقة في عهد الأنبياء المتقدمين عليهم السلام، فقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن أن موسى عليه السلام سأل ربه سبحانه أن يريه الدابة فخرجت ثلاثة أيام ولياليهن تذهب في السماء لا يرى واحد من طرفيها فرأى عليه السلام منظرًا فظيعًا فقال: يا رب ردها فردها، وجاء في حديث أخرجه نعيم بن حماد في الفتن.
والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود أنها إذا خرجت تقتل إبليس عليه اللعنة وهو ساجد وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها وتحقق هلاكه عنده، والأخبار في هذه الدابة كثيرة.
وفي البحر أنهم اختلفوا في ماهيتها وشكلها ومحل خروجها وعدد خروجها ومقدار ما يخرج منها وما تفعل بالناس وما الذي تخرج به اختلافًا مضطربًا معارضًا بعضه بعضًا فاطرحنا ذكره لأن نقله تسويد للورق بما لا يصح وتضييع لزمان نقله اه، وهو كلام حق وأنا إنما نقلت بعض ذلك دفعًا لشهوة من يحب الاطلاع على شيء من أخبارها صدقًا كان أو كذبًا، وقد تصدى السفاريني في كتابه البحور الزاهرة للجمع بين بعض هذه الأخبار المتعارضة ولا أظنه أتى بشيء.
ثم إن الأخبار المذكورة أقربها للقبول الخبر الذي حسنه الترمذي، ومن الأخبار في هذا الباب ما صححه الحاكم وتصحيحه محكوم عليه بين المحدثين بعدم الاعتبار، وقصارى ما أقول في هذه الدابة أنها دابة عظيمة ذات قوائم ليست من نوع الإنسان أصلًا يخرجها الله تعالى آخر الزمان من الأرض، وفي تقييد إخراجها بقوله سبحانه: {مّنَ الأرض} نوع إشارة على ما قيل: إلى أن خلقها ليس بطريق التوالد بل هو بطريق التولد نحو خلق الحشرات.
وقيل: إنه للإشارة إلى تكونها في جوف الأرض فيكون في إخراجها من الأرض رمز إلى ما يكون في الساعة التي أخرجت هي بين يديها من تشقق الأرض وخروج الناس من جوفها أحياءًا كاملة خلقتهم، وفي هذا وما قبله ذهاب إلى تعلق {مّنَ الأرض} ب {أَخْرَجْنَا} وهو الظاهر الذي ينبغي أن يعول عليه دون كونه متعلقًا بمحذوف وقع صفة لدابة أي دابة كائنة من الأرض.
{تُكَلّمُهُمْ أَنَّ الناس كَانُوا بآياتنا لاَ يُوقِنُونَ} أي تكلمهم بأنهم كانوا لا يتيقنون بآيات الله تعالى الناطقة بمجيء الساعة ومباديها أو بجميع آياته التي من جملتها تلك الآيات، وقيل: بآياته التي من جملتها خروجها بين يدي الساعة وليس بذاك، وإضافة الآيات إلى نون العظمة لأنها حكاية منه تعالى لمعنى قولها لا لعين عبارتها.
وقيل: لأنها حكاية منها لقول الله عز وجل؛ وقيل: لاختصاصها به تعالى وأثرتها عنده سبحانه كما يقول بعض خواص الملك خيلنا وبلادنا، وإنما الخيل والبلاد لمولاه، وقيل: هناك مضاف محذوف أي بآيات ربنا.
والظاهر أن ضمير الجمع في تكلمهم للكفرة المنكرين للبعث مطلقًا لا للكفرة المحدث عنهم فيما سبق بخصوصهم ضرورة أنهم ليسوا موجودين عند إخراج الدابة لتكلمهم، وتكليمها إياهم وهم موتى بعيد أو غير معقول، والرجعة التي يعتقدها الشيعة لا نعتقدها، والآية الآتية لا تدل كما يزعمون عليها.
ويسهل أمر ذلك أنه ليس مدار الحديث عنهم سوى ما هم عليه من الشرك والكفر بالآيات وإنكار البعث وذلك موجود فيهم وفي الكفرة الموجودين عند إخراج الدابة، ومثله ضميرًا عليهم.
ولهم والمراد بالناس الكفرة الماضون مطلقًا لا مشركو أهل مكة فقط، والمراد بإخبارها إياهم بذلك التحسر على ما فاتهم من الإيقان بما قرب وقوعه وظهور بطلان ما اعتقدوه فيه ومؤاخذتهم على التكذيب به أشد مؤاخذة، وفي ذلك استدعاء لأمثالهم إلى ترك ما هم عليه مما شاركوهم به من التذكيب وإنكار البعث، وجوز أن يراد بالناس مشركو أهل مكة وأمر الأخبار على حاله.
وقيل: يجوز أن تكون الضمائر للناس لا للكفرة منهم خاصة، ويراد بالناس إما الكفرة المنكرون للبعث، والمراد بالأخبار التنفير عما كانوا عليه من الإنكار ليثبت المؤمن ويرتدع الكافر، وإما مشركو أهل مكة والمراد بالأخبار ذلك.
وقيل: المراد به التشنيع عليهم بين أحبائهم وأعدائهم وكان بلسان الدابة ليكون أبلغ لما فيه من ظهور خطئهم عند ما لا يظن إدراكه له فضلًا عن النطق به وإذاعته على سبيل التشنيع، وكان بين يدي الساعة ليردفه بل كثير فصل ما يشبهه من شهادة الأعضاء عليهم وهي أبعد وقوعًا مع تشنيع الدابة، وفي وقوعها بعده ما يشبه الترقي من العظيم إلى الأعظم، وأيد كون الضمائر للناس على الإطلاق وأن المراد بالناس المذكور في النظم الكريم أهل مكة ما روي عن وهب أن الدابة تخبر كل من تراه أن أهل مكة كانوا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن لا يوقنون وقيل: ضميرًا عليهم.
ولهم لمشركي أهل مكة المحدث عنهم فيما سبق، ومعنى {لَهُمْ} لذمهم أو نحوه، وضمير {تُكَلّمُهُمْ} للناس الموجودين عند الإخراج أو للكفرة كذلك، والمراد بالناس المذكور في النظم الكريم أولئك المشركون، وقيل: غير ذلك، ولا يخفى عليك بأدنى تأمل ما هو الأول والأظهر في الآية من الأقوال، وأيًا مّا كان فوصف الناس بعدم الإيقان بالآيات مع أنهم كانوا جاحدين لها للإيذان بأنه كان من حقهم أن يوقنوا بها ويقطعوا بصحتها، وقد اتصفوا بنقيض ذلك وكون التكليم من الكلام هو الظاهر، ويؤيده قراءة أبي تبنؤهم وقراءة يحيى بن سلام تحدثهم.
وقيل: هو من الكلم بمعنى الجرح والتفعيل للتكثير، ويؤيده قراءة ابن عباس ومجاهد وابن جبير وأبي زرعة والجحدري وأبي حيوة وابن أبي عبلة {تكلمنهم} بفتح التاء وسكون الكاف وتخفيف اللام وقراءة بعضهم تجرحهم وأبي حيوة وابن أبي عبلة {الأرض تُكَلّمُهُمْ} بفتح التاء وسكون الكاف وتخفيف اللام وقراءة بعضهم تجرحهم مكان تكلمهم، وكأنه أريد بالجرح ما هو مقابل التعديل، ويرجع ذلك إلى معنى التشنيع ورجوع الضمائء عليه ءلى الكفرة المحدث عنهم فيما سبق مما لا غبار عليه، وقوله تعالى: {إِنَّ الناس} الخ بتقدير بأن الناس، والمعنى تشنع عليهم بهذا الكلام، ويراد بالناس فيه أولئك المسنع عليهم، وظاهر الآية وقوعه في كلامها بهذا اللفظ، ولعل فهم السامعين كون المراد به مشركي مكة وقت التشنيع بمعونة قرينة تدل على ذلك إذ ذاك، ويحتمل أن يكون الواقع فيه بدله مشركي مكة أو نحوه، لكن جاء في الحكاية بلفظ الناس، والنكتة فيه على ما قيل: الإيماء إلى كثرتهم.
وقيل: الرمز إلى مزيد قيح عدم الإيقان منهم، ويعلم مما ذكر وجه العدول عن أنهم إلى {إِنَّ الناس} وجوز أن يكون بتقدير حرف التعليل أي لأن الناس الخ، وهو تعليل من جهته تعالى لجرحها إياهم، وفيه إقامة الظاهر مقام الضمير الراجع كالضمائر السابقة إلى مشركي مكة، وجوز أن تقدر الباب على أنها سببية.
وجوز أيضًا أن يكون المراد بالكلم الجرح بمعنى الوسم، فقد روي أنها تسم جبهة الكافر، وفي رواية أخرى أنها تحطم أنفه بعصا موسى عليه السلام التي معها، واختار بعضهم كون المراد به ما ذكر لما في حديث أخرجه نعيم بن حماد وابن مردويه عن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعًا ليس ذلك بحديث ولا كلام ولكنه سمة تسم من أمرها الله تعالى، وسأل أبو الحوراء ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هل ما في الآية تكلمهم أو تكلمهم؟ فقال كل ذلك تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر تجرحه، والظاهر أن الضمائر على تقدير أن يراد بالكلم الجرح، والوسم راجعة ءلى الكفرة على الإطلاق دون المحدث عنهم فيما سبق إذ لا معنى لوسمها إياهم، ويتعين أن يراد بالناس أولئك الكفرة الذين عادت عليهم الضمائر، ولعل المعنى تسمهم لأنهم كانوا في علمنا بآياتنا لا يوقنون، وقرأ ابن مسعود بأن وجعلت مؤيدة لكون التكليم من الكلام وهو مبني على الظاهر وإلا فالباء تحتمل أن تكون للسببية فتلائم كونه من الكلم بمعنى الجرح، وقرأ بعض السبعة إن بكسر الهمزة، وخرج على إضمار القول.
أو إجراء التكليم من الكلام مجراه، أو على أن الكلام استئناف مسوق من جهته سبحانه للتعليل فتدبر.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمَّةٍ فَوْجًا مّمَّن يُكَذّبُ بآياتنا}.
بيان إجمالي لحال المكذبين عند قيام الساعة بعد بيان بعض مباديها، و{يَوْمٍ} منصوب بفعل مضمر خوطب به نبينا صلى الله عليه وسلم أي اذكر يوم، وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث قد مر بيان سره مرارًا، والمراد بهذا الحشر الحشر للتوبيخ والعذاب بعد الحسر الكلي الشامل لكافة الخلق وهو المذكور فيما بعد من قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ في الصور} [النمل: 87]. إلى آخره، ولعل تقديم ما تضمن هذا على ما تضمن ذلك دون العكس مع أن الترتيب الوقوعي يقتضيه للإيذان بأن كلا مما تضمنه هذا وذاك من الأحوال طامة كبرى وداهية دهياء حقيقة بالتذكير على حيالها ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل داهية واحدة قد أمر بذكرها كما مر في سورة البقرة مع أن الأنسي بذكر أن الكفرة لا يوقنون بالآيات المراد به أنهم يكذبون بها أن يذكر بعده ما تضمن التوبيخ منه عز وجل والتعذيب على ذلك التكذيب، ومن الثانية بيانية جيء بها لبيان {فَوْجًا}، ومن الأولى تبعيضية لأن كل أمة منقسمة إلى مصدق ومكذب، أي ويوم نجمع من كل أمة من أمم الأنبياء عليهم السلام أو من أهل كل قرن من القرون جماعة كثيرة مكذبة بآياتنا {فَهُمْ يُوزَعُونَ} أي يحبس أولهم على آخرهم حتى يتلاحقوا ويجتمعوا في موقف التوبيخ والمناقشة، وفيه من الدلالة على كثرة عددهم وتباعد أطرافهم ما لا يخفى، وقيل: {مِنْ} الثانية تبعيضية كالأولى، والمراد بالفوج جماعة من الرؤساء المتبوعين للكفرة، وعن ابن عباس أبو جهل والوليد بن المغيرة وشعبة بن ربيعة يشاقون بين يدي أهل مكة وهكذا يحشر قادة سائر الأمم بين أيديهم ءلى انلار؛ وهذه الآية من أشهر ما استدل بها الإمامية على الرجعة.
قال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان: واستدل بهذه الآية على صحة الجرعة من ذهب إلى ذلك من الإمامية بأن قال: إن دخول {مِنْ} في الكلام يوجب التبعيض فدل بذلك على أنه يحشر قوم دون قوم وليس ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه: {وحشرناهم فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف: 47]، وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم في أن الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي قومًا ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضًا قومًا من أعدائه لينتقم منهم وينالوا بعض ما يستحقونه من العقاب بالقتل على أيدي شيعته أو الذل والخزي بما يشاهدون من علو كلمته.
ولا يشك عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه وقد فعل الله تعالى ذلك من الأمم الخالية ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره عليه السلام، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «سيكون من أمتي كل ما كان في بني إسرائيل حذو النعمل بالنعمل والقذة حتى لو أن أحدهم دخل حجر ضب لدخلتموه»، وتأول جماعة من الإمامية ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأولوا الأخبار الواردة في ذلك لما ظنوا أن الرجعة تنافى التكليف وليس كذلك لأنه ليس فيها ما يلجىء إلى فعل الواجب والامتناع من القبيح، والتكليف يصح معها كما يصح مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر وقلب العصا ثعبانًا وما أشبه ذلك ولأن الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها، وإنما المعول في ذلك إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده. انتهى.